عدم التّمديد في عقود لزمات الأسواق والمسالخ البلديّة
10 octobre 2021
إلغاء 1.3 مليون دينار من الأداءات لعدم احترام مبدأ عدم رجعيّة القوانين
25 octobre 2021

كيف يتمتّع ذوو الدّخل المحدود بحطّ المعاليم الموظّفة على عقاراتهم المبنية؟

 

كيف يتمتّع ذوو الدّخل المحدود بحطّ المعاليم الموظّفة على عقاراتهم المبنية؟

 

قد لا يعلم المُطالَب بالمعاليم البلديّة ما منحه له المشرّع من حقّ التّمتّع بإلإعفاء أو بالحطّ من قيمة المعاليم المستوجبة على أملاكه العقاريّة. ويكون له ذلك إذا ما توفّرّت الشّروط  القانونيّة وخاصّة منها العوز الذي يخوّل له الانتفاع  بإعانة قارّة من الدّولة أو من الجماعة المحليّة. ويعود عدم الإلمام  بهذا الحقّ  إلى الصّعوبات التي تحول بين المواطن والنّفاذ إلى المعلومة لا سيما في مشهد يغيب  فيه الإعلام المتخصّص في الجباية. هذا فضلا عن بعض التّعقيدات الإداريّة التي تثنيه عن المطالبة بهذا الحقّ. 

 

تمثّل مداخيل المعاليم الجبائيّة موردا أساسيّا من موارد ميزانيّة الجماعات المحليّة. غير أنّ المعاليم البلديّة لم تشمل كلّ العقارات المبنية. فقد أعفى المشرّع التّونسي البعض منها من كلّ أداء إعفاء دائما. وأعفى البعض الآخر إعفاء مؤقّتا. في حين حطّ عن بعض العقارات الأخرى نسبا من المعاليم لفائدة بعض الشّرائح الاجتماعيّة مراعاة لمقتضيات تحقيق العدالة الجبائيّة بين المطالبين بالأداء. وتشكّل هذه الإعفاءات نقصا للجماعة المحليّة.

وتمثّل عمليات الإعفاء والحطّ من المعاليم المستوجبة على العقارات المبنية استثناء للقاعدة الضّريبية العامّة التي تُخضع جميع الممتلكات العقاريّة المبنية وغير المبنية بالمناطق الرّاجعة بالنّظر للجماعات المحليّة لمعلوم بلديّ يسمّى “المعلوم على العقارات المبنية”. وهو معلوم سنوي يفرض القانون أداءه طبقا لأحكام الفصل الأوّل من مجلّة الجباية المحلية بداية من غرة جانفي إلى تمام السّنة الإداريّة على العقارات التي يتمّ إنجازها أو توسيعها أو إعلاؤها أو التي تصبح خاضعة للمعلوم على العقارات المبنية خلال السّنة بموجب تغيير وجهة استعمالها وذلك ابتداء من تاريخ حصول العمليات المذكورة. وحمّل الفصل الثاني من مجلّة الجباية المحلية دفع هذه المعاليم  إلى مالك العقار أو المنتفع به . وفي صورة غياب مالك أو منتفع معروف يتحمّل حائز العقار أو شاغله دفعها.

I – الفرق بين الإعفاء والحطّ من المعلوم على العقارات المبنية

يتمثّل الإعفاء الجبائي في إسقاط المشرّع بعض الأعباء الجبائيّة أو كلّها عن المطالب بالأداء. ويشمل الإعفاء  عقاراته المبنية وغير المبنية أو مداخيله في الحدود التي ضبطها القانون. وتمثّل هذه العمليّة استثناء للقاعدة العامّة استجابة لبعض الظّروف والوضعيات الخاصّة. و يتّخذ الإعفاء أشكالا متعدّدة. فيكون كليّا أو جزئيّا. كما يمكن أن يكون دائما أو مؤقّتا طبقا لأحكام حدّدها المشرّع سلفا.

ويستعمل المشرّع في مجلّة الجباية المحليّة- إلى جانب مفهوم “الإعفاء”(Exonération) مفهوم “الحطّ”(Dégrèvement). ويتمثّل بدوره في تخفيف جزئي أو كلّي في المعاليم المستوجبة على العقارات المبنية.

 ونلاحظ تشابها كبيرا بين مفهومي “الإعفاء” و”الحطّ”. ولكنّ  المشرّع فرّق  بينهما. وأفرد كلّ منهما بأحكام خاصّة. وفي المجمل، ربط مفهوم الإعفاء من معاليم العقارات المبنية بتوفّر أحد شرطين: إمّا “إسداء مصلحة عامّة” وإمّا “المعاملة بالمثل”. في حين ربط “الحطّ” بمعيار الدّخل السّنوي لمالك العقار ومستواه المعيشي وظروفه الاجتماعيّة.

ويشمل الإعفاء العقارات التي تملكها الدولة أو الذوات العمومية أو الخاصة بشرط أن تكون مخصصة لإسداء نشاط مرفقي ( مصلحة عامّة) . كما يشمل العقارات التي تملكها أو تشغلها الهيئات الدّيبلوماسية الآجنبية في بلادنا بشرط احترام الطّرف الآخر مبدأ المعاملة بالمثل.

II – مجال إعفاء العقارات المبنية من دفع المعاليم

حدّد المشرّع التّونسي  في الفصل الثّالث من مجلة الجباية المحليّة  مجال تطبيق إعفاء  العقارات المبنية الكائنة بمناطق الجماعات المحليّة. فشمل:

 -العقارات المبنية التي تملكها الدّولة أو المؤسّسات العموميّة ذات الصّبغة الإداريّة أو الجماعات المحليّة. فلا ينطبق الإعفاء إلاّ إذا توفر شرط ملكيّة الدولة أو الجماعة المحليّة أو المؤسسة العموميّة للعقار. إذ يبدو من باب العبث أن تستخلص الدّولة الضّرائب على أملاكها، أو ينتقل الحقّ في نفس الذّمة الماليّة كأن يبيع الإنسان لنفسه أو يهب لنفسه…

وفي المقابل، يستوجب أداء المعلوم على مثل هذه العقارات إذا كانت مسوَّغة من قبل ذوات خاصة كأن تسوّغ الدّولة أو جماعة محليّة مباني في تصرّفها لإسداء خدماتها للعموم. ففي هذه الحالة، يتوجّب على المسوِّغ صاحب العقار دفع هذه المعاليم. كما لا ينطبق الإعفاء على العقارات المبنية التي تملكها المؤسّسات العموميّة ذات الصّبغة الصّناعية والتّجارية. فهذه المؤسّسات يُنزِّلها المشرّع التّونسي منزلة الذّوات الخاصّة، التي لا تخضع لنظام المحاسبة العموميّة وتنظّم معاملاتها مع الغير قواعد وأحكام المجلّة المدنيّة. 

– المساجد والعقارات المبنية المخصصة للتّعبد والزّوايا. وتعفى هذه المباني باعتبارها “جزءا من الملك العام للدّولة غير قابل للتّفويت فيه وسقوط الحقّ بمرور الزّمن” على معنى الفصل7 من القانون عدد 43 لسنة 1988 مؤرخ في 4 ماي 1988يتعلق بالمساجد. 1

– العقارات المبنية التي تملكها الدّول الأجنبيّة والمعدّة لإيواء المصالح الإداريّة التّابعة للسّفارات أو القنصليات أو المخصصة لسكن السّفراء والقناصل المعتمدين لدى الدّولة التّونسيّة شريطة التّعامل بالمثل. فإذا كانت دولة أجنبيّة لا تقرّ قوانينها الجبائيّة الوطنية أيّ إعفاء على العقارات المبنية التي تملكها الدّولة التّونسيّة على أراضيها والمعدّة لهذا الغرض، فإنّ الجماعة المحليّة تعامل عقارات هذه الدّولة بمثل ما عوملت به عقارات الدّولة التّونسيّة المبنية على أراضيها.

– العقارات المبنية التي تملكها المنظّمات العالميّة المتمتعة بالصّفة الدّبلوماسيّة إذا كانت معدّة لإيواء المصالح الإدارية لهذه المنظّمات أو مخصّصة لسكن رؤساء البعثات المعتمدين لدى الدّولة التّونسيّة.

– العقارات المبنية التي تملكها أو تشغلها بدون مقابل الجمعيات الخيريّة والاسعافيّة أو الجمعيات المعترف لها بصبغة المصلحة العامة، على أن تخصّص هذه العقارات لممارسة نشاطها.

– العقارات المبنية التي تملكها الدّولة أو الجماعات المحلية أو المؤسّسات العمومية ذات الصّبغة الإداريّة والتي تنتقل ملكيتها في إطار عملية إصدار صكوك إسلاميّة.

III – العقارات المبنية المشمولة بحطّ المعاليم البلدية

كان التّشريع التّونسي القديم يتحدّث عن حطّ جزئي وحطّ كلّي للمعاليم المستوجبة على بعض العقارات المبنية. غير أنّ المشرّع ألغى الحطّ الجزئي الذي كان واردا بالفصول من 2إلى 8 من مجلة الجباية المحليّة وذلك  بمقتضى الفصل77 من قانون المالية  لسنة 2003.2 ولم يبق ساري المفعول سوى الحطّ الكلي الذي بيّن المشرع مجال تطبيقه.  ويتوضّح مجال الحطّ الكلّي وإجراء تطبيقه  في الأمر عدد 1254 لسنة 1998 المؤرّخ في 8 جوان 1998 المتعلّق بتثبيت شروط وطرق تطبيق الحطّ من المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية. وشمل الأمر كلّ العقارات التي يملكها الأفراد دون بيان صبغتها أو حجمها.  ويشترط أن يكون المنتفع بالحطّ  الخاصّة من ذوي الدّخل المحدود دون تحديد مقداره. ولكن قرنه بتمتّعه بإعانة قارّة من الدّولة أو من الجماعة المحليّة.

 IV – من يتمتّع بالحطّ من المعلوم على العقارات المبنية؟

يتمتع ذوو الدّخل المحدود  بالحطّ من المعلوم على العقارات المبنية  التي يملكونها، وذلك بصريح عبارة الفقرة الأولى من الفصل  السّادس من مجلة الجبائيّة المحليّة الذي ينصّ على أنّه “يقع حطّ المعلوم على العقارات  المبنية كليّا من طرف الجماعات المحليّة بالنّسبة للمطالبين بالمعلوم على العقارات المبنية من ذوي الدّخل المحدود المنتفعين بإعانة من الدّولة أو من الجماعات المحليّة”. وأقر الأمر عدد 1254 لسنة 1998 3 المتعلّق بضبط شروط وطرق تطبيق الحطّ من المعلوم المستوجب على العقارات المبنية في فصله 9 أنّه:”يمنح الحطّ الكلّي (…) بالنّسبة للمطالبين بالمعلوم على العقارات المبنية من ذوي الدّخل المحدود المنتفعين بإعانة قارّة من الدّولة أو من الجماعات المحليّة”.

ولكن السّؤال المطروح: هل وضع المشرّع  التّونسي معايير موضوعيّة تعتمدها الجماعة المحليّة لتطبيق أحكام هذه النّصوص على ذوي الدّخل المحدود؟ وهل أنّ كلّ  الأشخاص من ذوي الدّخل المحدود يتمتّعون بإعانة قارّة؟

يبدو من منطوق النّصّ أنّ المشرّع التّونسي ضيّق في مجال الانتفاع بهذا الحطّ حين خصّ به صنفا معيّنا من ذوي الدّخل المحدود الذين يتمتّعون بإعانة قارّة من الدّولة أو من جماعة محليّة. وقياسا بخلاف، يكون المشرّع قد أقصى ذوي الدّخل المحدود من غير المتمتّعين بإعانة قارّة وذوي الدّخل المحدود الذين يتمتّعون بإعانة موسميّة  تمنح لهم بمناسبة العودة المدرسيّة أو بمناسبة الأعياد الدّينية أو في ظلّ جائحة…  وهو ما قد يؤدّي إلى عدم تحقيق العدالة الضّريبيّة بين ذوي الدخل المحدود على اختلاف  أصنافهم.

وتعترض مصالح الاستخلاص التابعة للجماعة المحليّة صعوبات كبرى تحول دون إسناد هذا الحقّ الممنوح لهذه الشّريحة الاجتماعية، منها:

• غياب تعريف واضح ودقيق وموحّد لمفهوم العائلة المعوزة وذوي الدّخل المحدود يمكن أن تعتمده الجماعات المحليّة في إسناد هذا الحقّ،

• غياب معايير دقيقة للحصول على إعانة قارة من الدّولة أو من الجماعة المحليّة،

• وجود عائلات معوزة أو ذات دخل محدود ولا تتمتّع بإعانة قارّة لا من الدّولة ولا من الجماعة المحليّة مما  يحرمها من التمتع بالحطّ،

• عدم التّنسيق بين مصالح وزارة الشّؤون الاجتماعيّة والجماعة المحليّة بشأن تبادل قائمات العائلات محدودة الدّخل أو المعوزة التي تتمتّع بإعانة قارّة من الدّولة أو من الجماعات المحليّة وتحيينها.

• وجود مساكن مشتركة تقطنها عائلة واحدة بعض أعضائها ميسوري الحال والبعض الآخر معوز ويتمتع بإعانة قارة من الدّولة أو من جماعة محليّة.

• غياب إحصاء دقيق لدى مصالح الجماعات المحليّة للأملاك العقاريّة لأسباب عديدة منها عدم التّنسيق مع إدارة الملكيّة العقاريّة، ومنها التّغير السّريع لصبغة العقارات من عقارات غير مبنية أو من عقارات ذات صبغة فلاحيّة إلى عقارات مبنية جرّاء عمليات  التّقسيم غير المرخّص فيه والبناء العشوائي الذي يحدث عادة في ظلّ تساهل الإدارة أو فساد بعض أعوانها.

• وجود عقارات مبنية مثقلة بضرائب متخلّدة بذمّة مالك العقارات على مدى سنوات طويلة يصعب تطهيرها بمطالب طرح مستجدة حتّى وإن توفّرت في المالك شرطا العوز والإعانة القارّة.  ذلك أنّ القباضة المالية تطرح عن المنتفع بالحطّ المبالغ الجديدة. وتبقى تطالبه بالمبالغ القديمة. ولا تمكّنه من شهادة إبراء للعقار.

• تعقيدات إداريّة في مطالب الإعفاء والحطّ ناتجة عن عدم تنسيق بين مصالح الشّؤون الاجتماعيّة ومصالح الجباية المحليّة من جهة، وعن عدم تحيين بطاقة العوز وشهادة الحصول على إعانة قارّة من جهة أخرى. وتؤثّر هذه التّعقيدات على ضعف عدد مطالب الحطّ التي تصل إلى مصالح الجباية بالجماعة المحلية. وتقدر إدارة استخلاص المعاليم الجبائيّة ببلدية تونس العاصمة معدل المطالب المودعة بــما لا يتجاوز 250 مطلبا في السّنة. ويعتبر هذا المعدّل  ضعيفا مقارنة بالكثافة السّكانيّة بالعاصمة وبدرجة العوز فيها. ونتيجة لذلك تكون حصيلة مطالب الحطّ غير ذات أهمية بالنّسبة إلى الطّالبين من ضعاف الحال. وممّا  يدل على ذلك أنّ بلديّة العاصمة -على سبيل الذّكر-  وافقت سنة2018 على 107 مطلب نتج عنها حط من المعاليم بقيمة قدرها  5 آلاف دينار. ووافقت خلال سنة 2019 على 39 مطلبا نتج عنها حط من المعاليم بقيمة 6 قدرها ألاف دينار.

ونلاحظ من زاوية أخرى، أنّ المشرّع التونسي رغم استلهامه أحكام مجلة الجباية المحلية من التشريع الجبائي الفرنسي، فإنه أغمض عينيه عن أصناف أخرى من المطالبين بالأداء متعهم القانون الفرنسي بإجراء الحطّ الجبائي. ومن بينها شريحة من كبار السّن ممن تتجاوز أعمارهم 65 سنة وتقلّ عن 75 سنة  والتي متّعها بطرح مبلغ 100 يورو من قيمة الأداء  على العقار المبني. وذلك إذا كانوا يشغلون المنزل كمسكن رئيسي سواء فرادى أو مع أقرانهم أو مع أشخاص يتمتعون بإعانات عن العجز. أو كانوا يشغلونه مع كبار السّن ممن يخضعون لعلاج طويل الأمد. أو كانوا يشغلونه مع أشخاص من ذوي الدخل الضعيف يتم تحديده سنويا.  كما يتمتع بالحط الضّريبي على العقارات المبنية أيضا،  مالك عقارات معدة للكراء إذا كانت شاغرة  أو مالك محلات معدة للصناعة والتجارة ولكنها غير مستغلة ولم تحقق أي دخل. كما متّع المشرع الفرنسي المساكن المعدة لذوي الدخل المحدود والأشخاص ذوي الإعاقة والتي أحدثتها أو تتصرف فيها  مؤسسات تعرف بـ”هيئات المساكن المعدة للكراء المعدل” من إجراء الحط الضريبي.

 وقد أصبح  من الضّروري أن يسعى المشرّع التّونسي إلى تعديل الأحكام المتعلّقة بالحطّ والاعفاءات بضبط معايير موضوعيّة وتوسيع مجالها وانسجاما مع تطوّر المجتمع ومبدأ العدالة الضّريبية.

 

 
 
 

 

د. الناصر المكني

 

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *