الاستقلاليّة الماليّة والإداريّة للبلديات بين متطلبّات الحوكمة وإكراهات الواقع
12 avril 2021
التباس في تطبيق الفصل 14 من قانون المالية لسنة 2021 حول التخفيض في نسبة الخصم من المورد %15 و%10
18 avril 2021

أيّة حريّة للمجالس البلديّة المنتخبة في تحديد مواردها الذّاتيّة حريّة ضبط المعاليم البلديّة: بين النّظري والواقع

 

أيّة حريّة للمجالس البلديّة المنتخبة في تحديد مواردها الذّاتيّة حريّة ضبط المعاليم البلديّة: بين النّظري والواقع

تعتمد الجماعات المحلية في تمويل أنشطتها الرامية لتحقيق اهدافها الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية على مصادر تمويل داخلية وخارجية مستقلة، بحيث تعتبر موارد الضرائب والاداءات والمعاليم والمساهمات والرسوم والاتاوات اهم مورد في ميزانية الجماعات المحلية ولكن بمردود ضعيف نظرا لتعدد الإعفاءات وصعوبة التوظيف ومحدودية الاستخلاص وتقليص مجال تدخل الجماعات المحلية في المجال الجبائي وهذا يطرح إشكالية الجدل القائم بين الاستقلالية المالية للبلديات والقيود والقواعد التي تفرضها الدولة. فإلى أي مدى يمكن للامركزية الجبائية تمويل ميزانية البلديات وتكريس مبدأ استقلاليتها المالية؟ او بالأحرى ما هو دور الجباية المحلية في تمويل ميزانية البلديات؟

سيتناول هذا المقال تعريف الموارد الجبائية الراجعة للبلديات بمقتضى مجلة الجباية المحلية الصادرة بالقانون عدد 11 لسنة 1997 المؤرخ في 3 فيفري 1997 كما سيتم التطرق الى هاته الموارد والإمكانيات المتاحة للجماعات لتحديد مواردها بما يتناسب مع المهام المناطة بعهدتها وستتم الإشارة الى احكام مجلة الجماعات المحلية التي لم تدخل بعد حيز التطبيق والتي ستمكن الجماعات المحلية من ضبط المعاليم والرسوم والحقوق الراجعة لها.

وتطرح هنا مسالة التناسب بين موارد ونفقات البلديات نظرا لما آلت إليه الوضعية المالية للبلديات في ضل الموارد الجبائية المخصصة لها والتي أدت الى وضع المالي يعد متدهورا.

فالموارد التي ترجع لها من الجباية ضعيفة في مجملها علاوة على أن المردود متفاوت بين البلديات المختلفة.

وتعتبر الموارد الذاتية الراجعة للبلديات ضئيلة اذ بلغت سنة 2019 ما قدره 1153,7م د. 1 أي ما قدره 4 % من الموارد الجبائية الراجعة للسلطة المركزية والتي بلغت 28901 م د لنفس الفترة. وتمثل التحويلات المتأتية من السلطة المركزية حوالي 2.4 % من الموارد الجبائية على المستوى الوطني وهي نسبة متدنية كذلك مقارنة بالنسب المسجلة بدول أخرى (4.8 % 2 في المغرب – 15.2% في فرنسا – 12% في إنجلترا – 48% في ألمانيا – 43% في الولايات المتحدة الأمريكية).

وامام ارتفاع قيمة النفقات وخاصة منها الوجوبية تجد بعض البلديات صعوبة في تغطية نفقات التأجير التي تبلغ نسبتها 60 % من الميزانية (90 % بالنسبة لبلديات أخرى) مما يرفع في المديونية التي أصبحت هيكلية بالنسبة لبعضها.

وبتعميم النظام البلدي منذ سنة 2014 ازداد الوضع تعقيدا اذ تم احداث 86 بلدية بالإضافة الى توسعة 187 بلدية وتقسيم 6 بلديات دون احداث موارد جديدة.

فما هي الإمكانيات المتاحة قانونا للمجالس المنتخبة لتنمية مواردها الجبائية ؟

تزامن تواجد الجباية المحلية مع إحداث اول بلدية وهي بلدية تونس سنة 1858. ومن التشاريع التي تم سنها بهدف تمويل ميزانية البلديات نذكر خاصة الأمر العلي المؤرخ في 31 جانفي 1887 المتعلق بمساهمة المالكين الأجوار و الأمر المؤرخ في 16 سبتمبر 1902 المتعلق بالأداء على القيمة الكرائية و الذين  استمر العمل بهما الى حدود سنة 1997 تاريخ اول اصلاح منظومة الجباية المحلية و التي اثمرت اصدار مجلة الجماعات المحلية بمقتضى القانون عدد 11لسنة 1997 المؤرخ في 3 فيفري 1997 إلا انه بالرغم من المجهودات المبذولة لتجميع النصوص المتعلقة بالجباية المحلية صلب المجلة المذكورة  إلا أن ذلك لم يشمل العديد من النصوص.

صنفت مجلة الجباية المحلية الموارد الجبائية الراجعة للبلديات الى عدة أصناف ترتكز كلها على توفر الخدمات المسداة داخل التراب البلدي الا انها لم تترك للبلديات سوى مجال ضيق لضبط جباية تتناسب مع حاجياتها.

فما هو مجال تدخل البلديات في تحديد مواردها حسب المجلة المذكورة؟

 

I – المعلوم على العقارات المبنية المعدة للسكن

يعتبر المعلوم على العقارات المبنية المعدة للسكن من أهم موارد البلديات إذ بلغ مردوده 76,1 3 مليون دينار بالنسبة لسنة 2019 أي ما يعادل 13,5 % من جملة المداخيل الجبائية.

وبالرغم من هذه الأهمية فان المشرع لم يترك للبلديات حرية ضبط المعلوم كما ان تدخلها في مرحلة الاستخلاص يقتصر على اعداد جداول التحصيل وتثقيلها لدى قباض المالية الذين يتولون الاستخلاص تحت مسؤوليتهم.

ويقتصر هامش حرية البلديات في ضبط المعلوم لتحديد مواردها بما يتناسب مع حاجياتها على إمكانية ضبط الثمن المرجعي 4 للمتر المربع المبني المعتمد لاحتساب المعلوم في الحدود المضبوطة بأمر مثلما ينص على ذلك التشريع الجاري به العمل. 

في المقابل لم يترك التشريع للبلديات إمكانية عدم توظيف المعلوم اذ تلاقي البلديات المحدثة او التي تمت توسعتها احراجا بالنسبة للمناطق الراجعة لها بالنظر والتي لا تسدي لها خدمات يمكن اعتمادها لاحتساب المعلوم باعتبار ان نسبة 0 % غير منصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل بينما البلديات متأكدة انها لا تسدي خدمات لهذه العقارات.

وعلى خلاف الصورة السابقة فان المشرع أعفى بعض العقارات المبنية من المعلوم دون استشارة البلديات في الغرض بالرغم من انها تسدي لها خدمات وحرمها بالتالي من موارد مقابل الخدمات التي تؤديها لهذه العقارات كما انه ليس للبلديات أي حرية قرار بالنسبة للحط من المعلوم وانما يقتصر دورها على تنفيذ ما تم اقراره بالقانون وتبقى كذلك البلديات مطالبة بإسداء الخدمات لهذه العقارات.

 

II –  المعلوم على العقارات المعدة لتعاطي نشاط

تخضع هذه العقارات الى المعلوم على المؤسسات ذات الصبغة الصناعية او التجارية او المهنية وقد مثل المعلوم سنة 2019، اهم مورد بالنسبة للبلديات اذ بلغ مردوده 289,1 مليون دينار أي حوالي 51.4 % من جملة المداخيل الجبائية.

غير ان التشريع لم يعط أي هامش تصرف للبلديات في تحديد هذا المعلوم بالرغم من ان للمعلوم حدا أدني يساوي المعلوم على العقارات المبنية يحتسب على أساس المساحة المعدة لتعاطي النشاط والمعلوم المرجعي بالمتر المربع المبني وهو مضبوط بأمر حسب أصناف العقارات و يبقى المجال الوحيد الذي يمكن للبلدية التدخل فيه هو بالنسبة للمؤسسات متعددة الفروع و في صورة عدم حصول البلدية على منابها من توزيع المعلوم اذ يمكنها القيام بعمليات مراقبة ميدانية للتثبت من توفر المعطيات التي تمكن توزيع المعلوم و في صورة عدم توفيرها فبإمكانها  توظيف الحد الأدنى و الذي يبقى مستوجبا حتى في صورة الادلاء بما يفيد دفع المعلوم من قبل المؤسسة الام.

III – معاليم مقابل الرخص الإدارية

منحت مجلة الجماعات المحلية البلديات صلوحيه تراتيب التصفيف والتسوية للملك العمومي البلدي وتتمثل هذه التراتيب في جملة الإجراءات الرامية لتنظيم استعمال المجال الترابي للبلدية وفق قرارات تتخذ من قبل البلديات تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الوطنية والجهوية وذلك بهدف ضمان التطابق بين الاختيارات المحددة من قبل السلطة المركزية والمرسومة من قبل السلطة اللامركزية.

  وفي هذا الإطار تم اخضاع تعاطي بعض المهن بالطريق العام لترخيص مسبق يسلم من قبل الجماعة المحلية المعنية.  

وقد تم ضبط تعريفة الرخصة المشار اليها أعلاه والمنصوص عليها بالفصل 68 من مجلة الجباية المحلية بمقتضى الأمر الحكومي عدد 805 لسنة 2016 المؤرخ في 13 جوان 2016.  وقد ضبط الامر المذكور الحد الأدنى والحد الأقصى لهذه التعريفات على ان تتداول الجماعة المحلية في هذه الحدود وتضبط المعلوم بقرار. و يتعلق الامر خاصة بــــ : 

التعريفة المعلوم
 بين 6,000 د و200,000 د سنويا بقرار  إشغال الطريق العام لتعاطي بعض المهن داخل المناطق الراجعة بالنظر للجماعات المحلية 
 تضبط تعريفة الرخصة بقرار   بين 0,500 د و10.000 د عن المتر المربع في اليوم بقرار  رخص إشغال الطريق العام عند إقامة حضائر البناء   
 بين 0,075 د و0,150 د عن المتر المربع في اليوم بمقتضى قرار من الجماعة المحلية المعنية،  معلوم عام للوقوف بالأسواق اليوميّة والأسبوعيّة والظرفية
تضبط التعريفة بقرار بين 20,000 د و500,000 د عن المتر المربّع في السنة حسب مواقع تركيز وسائل الإشهار  معلوم   الإشهار بواسطة اللافتات واللوحات الإشهارية ذات الصبغة التجارية والعلامات والستائر والعارضات واللافتات المثبتة أو البارزة أو المنزلة أو المعلقة بالطريق العام وعلى واجهات المحلات المعدة للتجارة والصناعة والمهن المختلفة   
 تضبط هذه التعريفة بين 0,100 د و1,000 د عن العربة في اليوم أو الجزء من اليوم بقرار من الجماعة المحلية المعنية معلوم وقوف عربات نقل البضائع في الطريق العام

 ورغم هامش التصرف المتاح للبلدية في ضبط المعاليم والتعريفات بمقتضى مجلة الجباية المحلية و نصوصها التطبيقية ، يمكن القول ان مبدأ الاستقلالية المالية  لا يمكن تكريسه في غياب حرية تحديد الموارد اذ تبقى هذه الحرية  مقيدة وتكاد تكون منعدمة وبالتالي يمكن القول ان حرية التدبير المنصوص عليها بالدستور وبمجلة الجماعات المحلية بقيت نظرية وغير قابلة للتحقيق بالنسبة للموارد الجبائية وربما تجد الجماعات المحلية أكثر مرونة وحرية في تحديد مواردها غير الجبائية مثل الاكرية و يعتبر اصدار اوامر تتعلق بضبط نسب و تعريفات من قبل السلطة المركزية عائقا امام تحقيق  أحد ابرز المبادئ الميزانيتية : مبدا التناسب .

وفي الختام يمكن القول ان الامر قابل للتغيير مستقبلا بالإرساء التدريجي للامركزية اذ:

نصت مجلة الجماعات المحلية في فصليها 140 (بالنسبة للبلديات) و141 (بالنسبة للجهات) على قائمة المعاليم والرسوم والحقوق والمشاركة في نفقات اشغال التعمير المخول للبلديات ضبط مبالغها او تعريفاتها،  

انهاء العمل بأحكام الفصول من 46 إلى 95 من مجلة الجباية المحلية تباعا بدخول قرارات كل جماعة محلية تتعلق بضبط المعاليم والرسوم والحقوق مهما كانت تسميتها والمنصوص عليها بالفصل 140 حيز التنفيذ على ان يتم استثنائيا بمقتضى أوامر حكومية، تتّخذ بناء على رأي الهيئة العليا للمالية المحلية لمدة أقصاها خمس سنوات من دخول الأحكام المتعلّقة بالميزانية حيز النفاذ، ضبط من قبل البلدية:

  معلوم الإجازة الموظّف على محلات بيع المشروبات،

  معلوم التعريف بالإمضاء،

  معلوم الاشهاد بمطابقة النسخ للأصل،

تسليم الشهادات والحجج المختلفة.

 
 
 

 

عائشة قرافي
حرم الحصني

مستشارة اختصاص حوكمة ومكافحة الفساد

 

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *