لا أحد يشك في أهمية الدعم الذي لا يزال يقدمه صندوق النهوض بالصادرات لدعم المنتجات التونسية بالأسواق الخارجية، كما لا ينكر أصحاب المؤسسات فاعلية تدخلاته ويسر اجراءات الانتفاع بها على مدى أربعين عاما، غير أنه وقد بلغ أشده، آن الأوان، أن يقع تقييمه بطريقة تشاركية، تمهيدا لإدخال إصلاحات عميقة عليه حتى يقدر على مواصلة القيام بمهامه في دعم المصدر التونسي الذي يعمل في سوق عالمية حرة لا يكون فيها البقاء إلا للأقوى…
تشير الاحصائيات إلى أهمية موارد الصندوق المحققة واهمية حجم نفقاته وسعة تدخلاته أيضا. ولكن، يرى المهتمون بالصندوق أنه لا يمكنه الحفاظ على فاعليته دون إخضاعه إلى تقييم تشاركي تقوم به جميع الأطراف المعنية به…
تتكون الموارد المالية لصندوق النهوض بالصادرات، من موارد متنوعة، نذكر منها بصفة خاصة:
1) تحويل نسبة 15 % من مردود المعلوم على الطماطم المعدة للتحويل.
2) المبالغ المتأتية من فوائد استخلاص القروض التي يمنحها الصندوق.
3) الموارد الأخرى التي ترصد للصندوق.
وفي الواقع، خصص صندوق النهوض الصادرات، لأول مرة في تاريخه، مبلغا بقيمة 73,4 مليون دينار لتمويل تدخلاته في دعم الصادرات التونسية خلال سنة 2022 بحسب ما نقلته الصحافة الوطنية (1) عن مركز النهوض بالصادرات. واستفادت بهذا التمويل حوالي 25 شركة من إجمالي 613 شركة قدمت مطالبها. وبحسب المصدر ذاته، سجل عدد طلبات دعم وتمويل الصادرات التي تلقاها الصندوق ارتفاعا بنسبة 73,5% مقارنة بسنة 2021 . وبينت الصحافة الوطنية (2) أيضا أن نسق معالجة مطالب الدعم الواردة على الصندوق سنة2022 قد ارتفع بنسبة %59 مقارنة بسنة 2021.
وخلال سنة 2023، أنفق صندوق النهوض بالصادرات 51,56 مليون دينار لتمويل بصفة أساسية وبنسبة %93، عمليّات في علاقة بالنقل وبالدعم المباشر للمؤسّسات المصدرة. واستحوذ مجال الصناعات الغذائية على %70 من تدخلات الصندوق، وذلك بحسب معلومات نشرتها وكالة تونس إفريقيا للأنباء(وات) في مفتتح هذه السنة.
رغم أهمية صندوق النهوض بالصادرات وفاعلية تدخلاته وسعة انجازاته مثلما بيّنا في مقال سابق، ظل عرضة للنقد من قبل الاتحادات المهنية لرجال الأعمال والمصدرين ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال. فبحسب دراسة أنجزتها وكالة النهوض بالصادرات (3)، لم يقع إدخال إصلاحات جوهرية على صندوق النهوض بالصادرات منذ تأسيسه سنة 1984 كأول آلية داعمة للمصدرين التونسيين، سوى مرة واحدة سنة 1998وكان ذلك في اتجاه إزالة تدريجية لدعم المنتوجات الصناعية غير الفلاحية التي فرضتها المنظمة العالمية للتجارة وتوسيع مجال دعم التدخل في مستوى الأنشطة الترويجية. وأكدت نفس الدراسة أن الدولة التونسية لم تقم بدراسة لتقييم أثر نشاطه. وقالت أن هذه الآلية تواصل دعم صادرات منتوجات الصناعات الغذائية التونسية (إلى تاريخ حلول أجل وقف الدعم الذي قررته منظمة التجارة العالمية في حدود سنة 2030)، ودعم الأنشطة الترويجية المحددة التي تقوم بها الشركات المصدرة. وذكرت الدراسة أنه بشكل عام، في ظل غياب التوجهات الاستراتيجية وغياب تقييم الأثر، يعتبر صندوق النهوض بالصادرات آلية تتدخل بميزانية سنوية قدرها 20 مليون دينار، لمعالجة القصور الهيكلي للقطاعات المدعومة، رغم أن هذا التدخل لا يندرج ضمن الدور الموكول إليه. وذكرت الدراسة أيضا أنه تبين أن أسلوب تسييره مقيد للغاية لأنه-بعبارات الدراسة- صندوق خاص في الخزينة يتولى إدارة ميزانية الدولة بالنيابة.
وفي المحصلة، يمكن القول أن مدة أربعين عاما من نشاط “الفوبرودكس”، تتطلب دراسة لتقييم تدخلاته بمنهجية صارمة، تمهيدا لإدخال إصلاحات عميقة عليه. ونعتقد أن مشاريع اصلاح الصندوق تتعلق أولا وأساسا، بطريقة تسييره والتي تتطلب إشراك جميع الأطراف المتدخلة والمعنية بالنشاط التصديري في اللجنة المكلفة بإدارة الصندوق، كأن تضم إلى جانب الأطراف الإدارية، ممثلين عن المجتمع المدني والهيئات المهنية الأكثر تمثيلا… كما يتطلب الإصلاح الاخذ بعين الاعتبار لضرورة حوكمة التصرف في موارد الصندوق ونفقاته باعتبارها أموالا عامة توظف في سبيل تحقيق أهداف واضحة تستوجب تقييما مستقلا وأكبر قدر من الشفافية في الإفصاح عن نتائجه… لذلك يظل التفكير في هذا الأمر مفتوحا لكل من يعنيه شأن الإصلاح.
هوامش
(1) المصدر: مقال في (African Manager) بتاريخ 8 جانفي 2023 بعنوان:
Exportations : Le Foprodex investit 73,4 millions de dinars pour ses interventions en 2022.
على موقعه على العنوان التالي:
(تاريخ الزيارة في 17/03/2024).
(2) بوابة الإذاعة الوطنية التونسية. مقال بعنوان:”دفوعات صندوق النهوض بالصادرات تبلغ لأوّل مرّة 4ر73 مليون دينار سنة 2022″. متوفر بالموقع الرسمي للبوابة على الرابط التالي:
http://www.radiotunisienne.tn/2023/01/07//دفوعات-صندوق-النهوض-بالصادرات-تبلغ-الأ (تاريخ الزيارة في 17/03/2024).
(3) عنوان الدراسة:
“Pour une meilleure optimisation Des programmes d’appui pour le développement des exportations tunisiennes”
متوفرة على الرابط التالي: