إمضاء ميثاق التعاون بين مجلس نواب الشعب والمجتمع المدني: من أجل فتح آفاق التعاون في المسائل الجبائية
2 juillet 2021
معلوم الإجازة الموظّف على محلاّت بيع المشروبات
30 juillet 2021

المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية: النّزاعات والتّقادم

 

المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية:
النّزاعات والتّقادم

لا يقتصر الإطار القانوني المنظّم لمادّة الجباية المحليّة على تنظيم علاقة الجماعة المحليّة بالمُطَالَبِ بالمعلوم لتسيير المرفق العمومي للجباية فحسب، بل يتولّى أيضا السّهر على التّعهد بما” يمكن أن ينجرّ عن تسيير هذا المرفق من نزاعات”. ذلك أنّ عمليّة المطالبة بالمعلوم هي عمليّة متسلسلة ومترابطة ومركّبة. تبدأ بتحديد مجال تطبيق الضّريبة مرورا باحتسابها ودفعها واستخلاصها واسترجاعها، ومراقبة الالتزام بالواجبات المترتّبة عليها وإثارة النّزاع، وصولا الى تنفيذ القرارات القضائيّة.

وتندرج المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية ضمن الموارد الجبائيّة المحليّة التي كنّا قد عرّفناها ووقفنا على أسسها في مقال سابق تحت عنوان المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية: الزبلة والخروبة. ويمثّل هذا المقال استكمالا للجانب المتعلّق بالتّقادم والنّزاعات المتعلّقة بهذا المعلوم.

ما هي خصوصيات النّزاع الجبائي المتعلّق بالمعاليم على العقارات المبنية؟

نظّمت مجلّة الجباية المحليّة النّزاع بين المُطَالَبِ بالمعلوم على العقارات المبنية والجماعة المحليّة ضمن الفصول 23 و24 و25 و26. وقد صنّفت هذه الفصول النّزاع بين الإدارة والمطالب بالمعلوم صنفين اثنين.
أوّلا: النّزاع الإداري: تعتبر مرحلة النّزاع المباشر المرحلة الإداريّة التي تسبق المرحلة القضائيّة أي قبل لجوء أحد الطّرفين إلى القضاء لفضّ النّزاع. ويعرّف بعض المختصّين هذه المرحلة بأنّها جملة الاجراءات الرضاية لمحاولة فض الخلاف بين المُطَالَبِ بالمعلوم والجماعة المحليّة وهي مرحلة وجوبيّة. ولا يمكن اللّجوء إلى القضاء دون إثبات القيام بها.
ثانيا: النّزاع القضائيّ: تعكس هذه المرحلة ضرورة تدخّل قاضي النّاحية كطرف ثالث تكون له كلمة الحسم في الخلاف القائم بين المُطَالَبِ بالمعلوم والإدارة المكلّفة باستخلاصه بمقتضى ما يصدره من أحكام قضائيّة نهائيّة وغير قابلة للطعن. ويعتبر اللّجوء إلى القضاء الضّمان الأخير بالنّسبة إلى الطّرفين لفضّ النّزاع إذا لم يتمّ حلّ الخلاف أمام لجنة المراجعة.

ما هي المصالح الإداريّة المختصّة بالنّظر في النّزاع؟

هي لجنة تسمّى بلجنة المراجعة. وقد نظّمها الفصل 24 من مجلّة الجباية المحليّة. وهي تتركّب من خمسة أعضاء:
– رئيس الجماعة المحليّة أو من ينوبه.
– عضوان من المجلس البلدي أو المجلس الجهوي يقع تعيينهما من قبل رئيس المجلس.
– قابض الماليّة أو من ينوبه.
– الكاتب العام أو من ينوبه بدون حقّ في التّصويت.

إجراءات تقديم الاعتراضات

حدّد المشرّع أجال الاعتراض أمام اللّجنة بشهر ابتداء من تاريخ إعلام المطالبين بالمعلوم بمبلغ المعلوم على عقاراتهم عبر رسالة مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ طبقا لأحكام الفصلين 8 و12 من مجلّة الجباية المحليّة. وتستمع اللّجنة إلى المطالبين بالمعلوم أو من ينوبهم والذين يتمّ استدعاؤهم عبر رسالة مضمونة الوصول. ولا يمنع غيابهم أو تعذّرهم عن الحضور من البتّ في الاعتراضات التي كانوا قد تقدّموا بها.
ويتمّ إعلام القائمين بالاعتراضات بقرارات اللّجنة قبل ختم عمليّة الإحصاء بالنّسبة إلى الاعتراضات الواردة خلال عمليات الإحصاء، وفي أجل شهرين من تاريخ الاعتراض بالنّسبة إلى الاعتراضات الواردة خارج عملية الاحصاء وهي عمليّة تقوم بداية على وجوب تصريح كلّ مالك لعقار عن عقاره ضمن مطبوعة توفّرها له البلدية و يقوم بايداعها في أجل ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ استلامه المطبوعة لتمكين مصلحة الجباية المحليّة من إحصاء وضبط العقارات الرّاجعة للجماعات المحليّة بالنّظر. وتكتسي هذه العمليّة أهمية كبرى في تحسين قاعدة المعطيات الجبائيّة التي تتوفّر للجماعات المحليّة. وتساهم في تحسين إجراءات الاستخلاص وتيسيرها من جهة وتحسين مردود المعاليم من جهة أخرى).
ويستند الطّعن أو الاعتراض على القرارات الصّادرة عن الجماعة المحليّة إلى مجموعة من الإجراءات والشّروط التي يضبطها القانون. أهمّها أن يكون طلب الاعتراض أو مراجعة المعلوم كتابيّا ومصحوبا بالوثائق التي تؤيده. ويودع الاعتراض لدى المصلحة المختصّة بالجماعة المحليّة التي تسلّمه وصلا في الغرض.
وقد بيّنت مجلّة الجباية المحليّة من خلال الفصل 26 إجراءات قبول الاعتراض وشروطه أمام محكمة النّاحية التي تتولّى النّظر في النّزاعات المعروضة عليها وإصدار القرارات والأحكام في ما يتعلّق بالمعاليم الموظّفة على العقارات المبنية.
أمّا على مستوى تحديد الآجال فقد أقرّ هذا الفصل ضرورة تقديم طلب مراجعة المعلوم لدى محكمة النّاحية في أجل ستّين يوما ابتداء من تاريخ الإعلان عن ختم عمليات الإحصاء أو انتهاء الآجال المحدّدة لإبلاغ قرارات لجنة المراجعة.
واستنادا إلى هذا الفصل يعتبر كلّ اعتراض يقدّم إلى محكمة النّاحية بعد مرور الآجال المنصوص عليها خارج الآجال القانونيّة ويؤدي إلى رفض الاعتراض شكلا. كما ترفض الدّعوى إذا لم يسبقها اعتراض أمام لجنة المراجعة والذي يتوجّب على المُطَالَبِ بالمعلوم أن يثبته من خلال إرفاقه بعريضة دعواه. كما تجدر الإشارة إلى أنّ الاعتراض أمام المحكمة لا يوقف استخلاص المعلوم موضوع النّزاع. ويكون الحكم الصّادر عن محكمة النّاحية باتّا ونهائيّاأي غير قابل للاستئناف.

استرجاع المعلوم الزّائد أو المدفوع بغير موجب وحدوده الزّمنيّة

تمارس الجماعة المحليّة صلاحياتها من أجل استخلاص المعاليم المتخلّدة بذمّة المطالبين بالمعلوم وفق إجراءات مضبوطة بالقانون. وقد رتّب لها حدودا في الزّمان من خلال الأحكام المتعلّقة بالتّقادم. ويسري هذا التّحديد الزّمني كذلك على المُطَالَبِ بالمعلوم من خلال ضبط الآجال القصوى لممارسة حقّه في استرجاع المبالغ الزّائدة.
ويمكن أن ترتكب الجماعة المحليّة أخطاء عند احتساب المعلوم. وقد يعود ذلك إلى عدم توفّر المعطيات أو لغياب مالك العقار ممّا يدفع المطالبين بالمعلوم إلى الاعتراض طبقا للإجراءات المبيّنة أعلاه أو إلى طلب استرجاع المبالغ الزّائدة أو المدفوعة بغير وجه حقّ. ونظّم الفصل 28 من مجلّة الجباية المحليّة إجراءات الاسترجاع وآجاله، والتي بانقضائها ينقضي حقّهم في استرجاع المبالغ المستحقّة. فقد نصّ الفصل 28 على أنّه ” يمكن استرجاع المبالغ المدفوعة خطأ أو بدون موجب بعنوان المعلوم على العقارات المبنية وكذلك الخطايا المتعلّقة به بعد تقديم مطلب في الغرض إلى الجماعة المحليّة المعنية وذلك إلى انتهاء السّنة الثالثة الموالية لسنة دفع المعلوم خطأ أو بدون موجب”. وبذلك فإنّ منطلق احتساب أجل ثلاث سنوات يكون تاريخ دفع المعلوم وخطايا التّأخير بصرف النّظر عن السّنوات المعنية بالمعلوم.
وينطلق إجراء الاسترجاع بتوجيه مطلب في الغرض إلى الجماعة المحليّة والتي يتعيّن عليها الإجابة على مطلب الاسترجاع في أجل أقصاه ثلاثة أشهر من تاريخ تقديمه. ويعتبر عدم الرّد خلال هذا الأجل رفضا ضمنيّا لمطلب الاسترجاع.
فإذا ما قدّم المُطَالَبُ بالأداء وثيقة تثبت دين لفائدته محمول على الجماعة المحلية مؤرّخا في 17 ماي 2021 مثلا فإنّ مدّة احتساب التّقادم تكون كالتّالي:لا تحسب المدّة المتبقيّة من سنة 2021 بل تنطلق من 1 جانفي 2022 إلى حدود يوم 31 ديسمبر 2025. وبالتّالي لا يمكن المطالبة باسترجاع الدّين المحمول على الجماعة المحليّة انطلاقا من 1 جانفي 2026.
ويعود مبدأ سقوط الحقّ في المطالبة باسترجاع الدّيون المحمولة على الجماعة المحليّة إلى المبدأ القانوني القائل “بعدم أبديّة الحقوق والالتزامات”. ممّا يعني أنّه لا يحقّ للمستحقّين مطالبة الجماعة المحليّة بدفع ما عليها لفائدتهم بعد انقضاء الأجل القانوني.
أما بالنّسبة إلى المبالغ المرصودة لفائدة المطالبين بالمعلوم فقد حدّدت مجلّة المحاسبة العموميّة أجال سقوط حقّ استخلاصها في الفصل 46 الذي نصّ على أنّه “تسقط بالتّقادم وترجع نهائيّا لفائدة الدّولة أو المؤسّسات العموميّة أو الجماعات المحليّة جميع الدّيون التي لم يقع تسديدها في غضون الأربع سنوات الموالية للسّنة الموالية العائدة إليها تلك الدّيون إن كان أصحاب الحقّ يقطنون بتونس وفي غضون الخمس سنوات إن كانوا يقطنون بالخارج”.

حقوق الجماعة المحليّة في استخلاص المعلوم وحدودها في الزّمن

بيّن الفصل 27 من مجلّة الجباية المحليّة أنّه يمكن تدارك الاغفالات التي وقعت معاينتها في أساس المعلوم على العقارات المبنية وكذلك الأخطاء المرتكبة في تطبيق النّسب إلى انتهاء السّنة الثّالثة الموالية للسّنة المستوجب بعنوانها المعلوم.
أمّا فيما يتعلّق بانقطاع التّقادم فقد بيّن الفصل 27 من مجلّة الجباية المحليّة في فقرته الثاّنية أنّه “ينقطع التّقادم بتبليغ إعلام يتضمّن مبلغ المعلوم المستوجب فعليّا بمكتوب مضمون الوصول مع الإعلام بالبلوغ أو بواسطة نظير من إعلام ممضى من طرف المعني بالأمر أو بواسطة عدل الخزينة” طبقا لأحكام مجلّة المرافعات المدنية والتّجاريّة. ويؤدّي قطع مدّة التّقادم إلى فتح مدّة جديدة بداية من غرّة جانفي للسّنة الموالية لتلك التي وقع فيها قطع التّقادم.
إلاّ أنّ احتساب أجال التّقادم كفكرة لسقوط الحقّ في الاسترجاع أو المطالبة بالمعلوم يمكن أن يتأثّر في حالة ما اختارت السّلطات تعميم العفو الجبائيّ كإجراء يمكّن المواطنين وأصحاب العقارات المبنية من تسوية وضعيتهم الجبائيّة. وهوما يتيح لهم الانتفاع بتّخلي الجماعات المحليّة عن المبالغ المستوجبة بعنوان المعلوم على العقارات المبنية التي لم يشملها التّقادم. ومن بين الأمثلة، العفو الذي تم إقراره بمقتضى الفصل 72 من قانون الماليّة لسنة 2019.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الفصل 50 من مجلّة المحاسبة العموميّة منح وزير الماليّة إمكانيّة التّنازل عن الدّيون المتخلّدة بذمّة الأشخاص لفائدة الجماعات المحليّة بمقتضى قرار يصدره بعد موافقة مجالس الجماعات المحلية.

وإجمالا فإنّ المعاليم الموظّفة على العقارات المبنية، وإن كانت معاليم معروفة لدى المطالبين بها، فإنّ الخوض في خصائصها وأثارها القانونيّة على الجماعة المحليّة والمواطن يطرح جدلا غير قليل. وربمّا يرجع ذلك إلى تعدّد النّصوص القانونيّة وتشتّتها رغم محاولات المشرّع جمعها في مجلّة قانونيّة واحدة. ويرى بعض المختصّين أنّ عددا من النّصوص القانونيّة يشوبها النّقصان وعدم الانسجام. كما يرى عديد الخبراء أيضا أنّ الجماعات المحليّة غير جادّة في تتبّع مواردها لغياب المراقبة والمتابعة. هذا بالإضافة إلى وسائل العمل التي لم ترتق إلى مستوى الرّقمنة والاستفادة من تجميع المعطيات وتحليلها. ويبقى المواطن أكثر طرف “متّهما” بالتّجاهل والعزوف عن دفع هذه المعاليم التي تعتبر مصدرا هامّا لتمويل ميزانيات الجماعات المحليّة. ويردّ العديد من الأشخاص هذا العزوف إلى غياب المعلومة وعدم فهم الالتزامات المتعلّقة بالمعلوم وقواعد احتسابه.

 
 
 
 

 

ايمان العبيدي
 
صحفية ومتحصلة على الماجستير في القانون الدولي -  باحثة مرحلة ثالثة دكتوراة في القانون العام

 

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *