بلدية تونس : القباضات البلديّة وتراجع في المداخيل الجمليّة
1 novembre 2021
معاليم التّراخيص الإداريّة البلديّة
6 novembre 2021

حوكمة استخلاص الموارد البلديّة

 

حوكمة استخلاص الموارد البلديّة

 

يمثّل الاستخلاص مرحلة هامّة في تنمية الموارد البلديّة. وتتّسم هذه العمليّة بشيء من التّعقيد على مستوى الإجراءات. وتستغرق وقتا طويلا في بعض الأحيان. علاوة على كثرة الأطراف المتدخّلة. وهو ما  يحدّ من نجاعتها، وينعكس سلبا على استخلاصها.  وبهدف حوكمة عمليّة الاستخلاص نتناول بالدّرس محورين أساسيين يتمثّلان في استخلاص المعاليم الفوريّة واستخلاص المعاليم المثقلة. كما نتعرّض إلى بعض الإشكاليات. ونقترح بعض الحلول لمزيد حوكمة المجال.

 

ونرى من المفيد قبل الخوض في الجانب التّقني للاستخلاص أن نقدّم  بعض التّوضيحات التي لها تأثير على مجرى الاستخلاص ومساره.

ولا بدّ في هذا الإطار من توضيح الإطار القانوني للاستخلاص. ذلك أن التّصرف المالي والمحاسبي للجماعات المحلیّة يخضع لعديد النّصوص التّشریعية والتّرتيبية ، ومن أھمّھا

• مجلّة الجماعات المحليّة،

• مجلة المحاسبة العمومية،

• مجلة الجباية المحليّة،

• العديد من الأوامر التّطبيقيّة،

• مجلة المرافعات المدنيّة والتّجاريّة.

ونلاحظ من خلال هذه النّصوص عدم وجود فوارق كبيرة بين التّصرّف في مالية الدّولة والتّصرف في مالیّة الجماعات المحلية. و بالتّالي فقد أُطلق على جملة  القواعد والتّقنيات المتعلّقة بالعمليات الماليّة الخاصّة بالجماعات المحليّة عبارة “الماليّة المحليّة” على غرار “الماليّة العمومية”. وتعتبر الماليّة المحليّة فرعا من فروع الماليّة العموميّة. 

وتبعا لذلك نلاحظ أنّ الجماعات المحلية تتصرّف في مواردھا و تؤدي نفقاتھا في إطار ميزانيّة سنويّة ،طبقا لمبدأ التّدبير الحرّ المنصوص عليه بدستور 2014، و كذلك بمجلّة الجماعات المحليّة. ويتمّ إعداد الميزانيّة والاقتراع علها وتنفيذها وفق ضوابط قانونية محددّة.  علما وأنّ العمليات المتعلّقة بتنفيذ الميزانية تنقسم إلى مرحلتين مرحلة إداريّة يقوم بها آمر المقابيض والصّرف ومرحلة محاسبيّة يقوم بها المحاسب عمومي.

وتخضع العمليات المذكورة في تونس لقاعدة التّفريق بين وظيفتي الآمر بالقبض والصّرف والمحاسب العمومي، بمعنى عدم جمعهما لدى الشّخص نفسه. وهو مبدأ يهدف إلى ضمان الرّقابة المتبادلة بين المتصرّف  والمحاسب وتكريس فكرة التّخصّص.

ونتيجة لذلك يتحمّل كلّ من آمر القبض والصّرف والمحاسب العمومي مسؤولية نتائج أعماله شخصيّا وماليّا. فالآمر بالقبض والصّرف يسأل عن أخطائه أمام محكمة المحاسبات.  و تقرّر المحكمة نفسها تعمير ذمّة المحاسب العمومي بالمبالغ التي كان سببا في عدم تحصيلھا أو صرفها على وجه الخطأ.

 

I. أساليب استخلاص موارد الجماعات المحليّة

 

يقرّ الفصل 69 من مجلّة المحاسبة العموميّة أنّه لا يجوز قبض الإيرادات وجباية الأموال إلاّ من قبل محاسبين عيّنوا لتلك الخطّة بصفة قانونيّة، وبموجب مستندات قانونيّة أو ترتيبيّة. وبالتّالي فإنّه لا يمكن للمحاسب مبدئيّا القيام بعمليّة الاستخلاص إلا بمقتضى سندات قانونيّة أو ترتيبيّة صادرة عن السّلطات الإداريّة أو العدليّة أي بمقتضى  ”أذون استخلاص“.

تنقسم أذون الاستخلاص إلى نوعين. أوّلهما الأذون النّهائية وتخصّ الاداءات والمعاليم والمداخيل القارّة التي تعرف شبه استقرار في الزّمن مثل المعلوم على العقارات المبنية والمعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصّناعيّة أو التّجاريّة أو المهنيّة. وثانيهما الأذون الوقتيّة. وتهمّ الموارد الفوريّة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الأذون النّهائيّة تختلف باختلاف المبالغ المستوجبة. وأمّا بالنّسبة إلى المعاليم على العقارات المبنية أو غير المبنية فتصدر أذون الاستخلاص من قبل الآمر بالقبض. في حين يتمّ استخلاص المعاليم على الأنشطة بواسطة تصاريح تودع تلقائيّا من قبل المطالبين بالمعاليم لدى القباضات الماليّة.

ويقصد بالموارد الفوريّة تلك التي يتزامن فيها توظيف المعلوم و ضبط مقداره و الإذن بالاستخلاص ثم الاستخلاص مثل المعلوم مقابل استخراج وثائق الحالة المدنيّة وكذلك المعاليم المدفوعة مقابل الحصول على رخصة…   

إلا أنّه وبصفة استثنائيّة يمكن استخلاص الأداءات والمعاليم لفائدة الجماعة المحليّة عاجلا أي بشكل فوري ودون سند صادر عن آمر القبض. وفي هذه الحالة يتولىّ المحاسب التّصفية والاستخلاص  في الوقت نفسه و ذلك بمبادرة من المطالب بالأداء أو المعلوم.

وبناء على الفصل المذكور من ناحية وعلى مبدأ تحجير الجمع بين وظيفتي آمر المقابيض ( رئيس البلديّة بالنّسبة إلى موارد البلديّة ) و المحاسب من ناحية ثانية يتمّ تقاسم الأدوار بينهما . وبالتّالي  فهما يتكاملان في هذه العمليّة. إذ تتضمّن عمليّة الاستخلاص مرحلتين :

– مرحلة إداريّة يقوم بها آمر المقابيض. وتتمثّل في بعث عمليات تنفيذ مقابيض الميزانيّة.

ومن مهام آمر المقابيض خلال هذه المرحلة، معاينة الموارد الرّاجعة للميزانيّة، وذلك من خلال التّثبت من وجود حدث باعث للمورد (السّبب)، ثمّ تصفية الموارد. وهو ما يعبّر عنه بالتّصفية الماديّة للمورد المتمثّلة في تطبيق القاعدة والتّعريفات والنّسب. ويلي هذه التّصفية إصدار سندات الاستخلاص. وهي الوثائق التي تمكّن المحاسب من إتمام عملية الاستخلاص.

– مرحلة محاسبيّة يقوم بها المحاسب. وتتمثّل في مسك الأموال وخزنها ومراقبة مشروعيّة أذون الاستخلاص وتنفيذها. ويتولىّ المحاسب خلال هذه المرحلة التّثبّت من صحّة المورد من خلال التّأكّد من مطابقة محتوى إذن الاستخلاص مع التّشريعات السّارية. ثمّ يتوّلى جباية الموارد بالقيام بكلّ ما يلزم حتىّ يتم استخلاص المبلغ المضمّن بإذن الاستخلاص ومراقبة صحّة مقابيض البلديّة ونفقاتها، وكذلك صحة التّصرّف في أملاكها.كما يتولىّ المحاسب خلال هذه المرحلة تأدية النّفقات وصيانة الأموال والقيم والمنتوجات والمواد التي تملكها الجماعات المحليّة أو التي عهد إليها حفظها.

 

II. استخلاص المعاليم الفوريّة

 

يمكن أن يتمّ الاستخلاص الفوري إمّا بسند من آمر المقابيض أو دون سند من آمر المقابيض. إلاّ أنّ عمليّة الاستخلاص هذه تعوقها العديد من الإشكاليات التي يمكن تقسيمها إلى إشكاليات  قانونيّة و إشكاليات تنظيميّة وإشكاليات تتعلّق بالعنصر البشري وأخرى تتعلّق بالعنصر المادي.

الإشكاليات القانونيّة

ترجع الإشكاليات القانونيّة أساسا إلى تشعّب النّظام الجبائي وضعف بعض التّعريفات المستوجبة(المعلوم العام للوقوف بالأسواق اليوميّة والأسبوعيّة والظّرفية تضبط التّعريفة بين0,075 دو0,150  دعن  المتر المربّع في اليوم بمقتضى قرار من الجماعة المحليّة المعنية مثلا)  كما  ترجع في الوقت نفسه إلى شطط بعض التّعريفات الأخرى( الإشهار بواسطة اللاّفتات واللّوحات الإشهاريّة ذات الصّبغة التّجارية والعلامات والسّتائر والعارضات واللاّفتات المثبتة أو البارزة أو المنزلة أو المعلّقة بالطرّيق العام وعلى واجهات المحلاّت المعدّة للتّجارة والصّناعة والمهن المختلفة  وتضبط تعريفتها بين20,000 د و500,000 د عن المتر المربّع في السنة بقرار من الجماعة المحليّة المعنيّة حسب مواقع تركيز وسائل الإشهار مثلا).

إلى جانب الإشكاليات المذكورة يمكن ذكر عدم تلاؤم الخدمات التي تقدّمها البلديّة مع تعريفة المعاليم المستوجبة ممّا يتسبّب في عزوف عن دفع المبالغ المستوجبة أو عدم إمكانية تثقيل المعاليم غير المستخلصة في السّنة السّابقة. مثل معلوم الإشهار هو معلوم فوري لا يثقل .فإذا لم يتم استخلاصه خلال سنة لا يمكن تثقيله  .

الإشكاليات التّنظيميّة

نذكر منها غياب المراقبة الميدانيّة وجسامة العمل المطلوب بالمقارنة مع الإمكانيات المتاحة و نقص في عدد وكالات المقابيض ببعض البلديات ونقص في تقييم ومتابعة عمل وكالات المقابيض  و غياب أدلّة الإجراءات وعدم تحيين  الإحصاء .

الإشكاليات المتعلّقة بالعنصر البشري

من أبرز هذه الإشكاليات ضعف نسبة التّأطير(11% ) ونقص في الأعوان على مستوى الإدارة البلديّة ووكالات المقابيض ونقص في التّنسيق مع أعوان الشّرطة البلديّة .

الإشكاليات المتعلّقة بالعنصر المادّي

منها نقص المعدّات اللّوجيستيّة على مستوى الإدارة البلديّة وعدم توفّر المنظومات الإعلاميّة بالشّكل المطلوب من حيث الكمّ  والكيف وعدم نجاعة التّطبيقات الإعلاميّة المستغلّة .

وللحدّ من تداعيات الإشكاليات المذكورة وبهدف إضفاء نجاعة على عمليات الاستخلاص يبدو من الضّروري رقمنة الإجراءات والوثائق وتطوير التّطبيقات الإعلاميّة وأنظمة تبادل المعلومات داخل الإدارة البلديّة وتعميمها.  كما يستوجب تعميم ربط الإعلاميّة بين البلديات والقباضات البلديّة من ناحية وتأهيل الموارد البشريّة وإحكام توظيفها والتّرفيع في نسبة التّأطير بالبلديات المتوسّطة والصّغرى والمحدثة. بالإضافة إلى إعداد أدّلة إجراءات وتعميمها على البلديات لتوحيد طرق العمل وتعميم خلاص المعاليم عن بعد على غرار الأداءات الرّاجعة للدّولة.

 

III. استخلاص المعاليم المثقلة

 

طبقا للتّشريع الجاري به العمل وخاصّة مجلّة الجباية المحليّة  و مجلّة المحاسبة العموميّة يتمّ تثقيل  بعض المعاليم الجبائيّة المحليّة و هي  المعاليم (المستوجبة أو الموظّفة على العقارات) العقاريّة (المعلوم على العقارات المبنية و المعلوم على الأراضي غير المبنية،الحدّ الأدنى للمعلوم على المؤسّسات ذات الصّبغة الصّناعية أو التّجاريّة أو المهنيّة ) و مداخيل الأسواق المستلزمة .

وطبقا للفصل 28 خامسا من مجلّة المحاسبة العموميّة لا يمكن أن تدرج بموارد الميزانية المبالغ المستخلصة بعنوان ديون مثقلة ما لم تصدر في شأنها سندات استخلاص صادرة عن السّلط الإداريّة أو القضائيّة، وما لم يقم قابض الماليّة بعمليّة التّعهد بهذه الدّيون.

 وتدرج المبالغ المستخلصة قبل إتمام إجراءات التّثقيل بعنوان “خارج الميزانيّة ” إلى حين إتمام إجراءات التّثقيل.

وتوجّه سندات الاستخلاص إلى المحاسب العمومي عن طريق أمناء المال الجهويين الذين يتولون إعداد جداول التّثقيل. وتسبق عمليّة التّثقيل عملية قبول التّعهّد بالدّين. إذ يتولّى قابض الماليّة عند تسلّمه سندات الاستخلاص مصحوبة بجدول التّثقيل القيام بالمراقبة التّالية:

• أهليته من حيث الاختصاص والمرجع التّرابي،

• التّأكّد من طبيعة الاداءات و المعاليم والمداخيل المطلوب استخلاصها وفصول الإدراج المحاسبي،

• التّثبت من هويّة المطالب بالدّين وعنوانه كاملا بما يمكّن من التعرّف عليه والوصول إليه،

• مراقبة صحّة احتساب المبالغ المستوجبة وآجال الاستخلاص (عدم السقوط بمرور الزمن)،

• التّأكد من عدم تثقيل المبالغ المعنية سابقا.

يمكن أن تضفي عملية المراقبة المذكورة إلى إحدى النّتيجتين التّاليتين:

• في صورة  سلامة الدّين والوثائق المؤيّدة له تتم الموافقة. وبالتّالي يتمّ  إتمام إجراءات التّثقيل،

• في صورة وجود خلل ما يتم الرّفض ثم إرجاع الوثائق بواسطة مذكّرة رفض تتضمن تعليل الرّفض.

الاستخلاص الرّضائي

يتولّى المحاسب العمومي حال تعهّده بالدّين إشعار المدين بواسطة إعلام يتضمّن دعوته لخلاص المبالغ المستوجبة من قبله بعنوان السنة الجارية. ويتمّ التبليغ بواسطة عدول الخزينة أو عدول التّنفيذ أو أعوان قباضات الماليّة أو بواسطة رسالة مضمونة الوصول .ونلاحظ هنا  أنّ بعض القباضات الماليّة تدرج بالإعلام السّنوي كامل الدّين المطلوب أي بما في ذلك المتخلّدات. وهو خطأ. إذ تقتضي إجراءات الاستخلاص أن يتضمّن الإعلام المبلغ المطلوب بعنوان السّنة. ثمّ المرور إلى الإجراء الموالي أي تبليغ مستخرج من جدول التّحصيل بالنّسبة إلى المبالغ المطلوبة بعنوان السّنوات السّابقة.

ويتمتّع المدين بأجل ثلاثين يوما من تاريخ تبليغه الإعلام لتسوية وضعيته قبل تبليغه السّند التّنفيذي وتحمّل مصاريف تبليغ الإعلام على المطالب بدفع المبالغ. ولضمان صحّة إجراءات التّبليغ يتعيّن على  المدين إمضاء تسلّم الإعلام بنفسه أو من تسلّم إمكانه مع تسجيل رقم بطاقة تعريفه الوطنيّة لمن تسلّم الإعلام .ويتمّ بذلك تسليم وصل استلام.

على إثر ذلك يتقدّم المدين إلى القباضة الماليّة لدفع دينه. ويمكنه الخلاص دفعة واحدة . كما يمكنه طلب تقسيط الدّفع حسب رزنامة يضبطها المحاسب تحت مسؤوليته وتأخذ بعين الاعتبار قدرات المطالب بالدّفع.

الاستخلاص الجبري

 يمكن اللّجوء إلى الاستخلاص الجبري في صورة استحالة استخلاص الدّيون وديّا. فق أقرّت مجلّة المحاسبة العموميّة أنّه يقع جبر المطلوبين بالطّرق القانونيّة على تسديد ما بذمّتهم من ديون عموميّة. ويكون ذلك بمقتضى بطاقة تنفيذيّة.

وتضبط طريقة الجبر تراتيب خاصّة بكلّ صنف من أصناف الدّيون. وفي صورة وجود أصناف لم تتّخذ بشأنها طريقة خاصّة، فإنّه يتمّ اللّجوء بطاقات الإلزام ممضاة من قبل أمين المال الجهوي الذي يوجد بدائرته مقرّ المحاسب العمومي  وتنفّذ بطاقات الإلزام بصفة وقتيّة ولا يمنع تنفيذها اعتراض المطالب بالدّفع.

وتعتبر بطاقة الإلزام- وهي الوثيقة الرّسميّة التي يحرّرها المحاسب العمومي – من أكثر السّندات التّنفيذيّة استعمالا. إذ يتم اللّجوء إليها كلّما لم يتّخذ القانون في شأن الدّيون المعنية سندات تنفيذيّة خاصّة أو معينة.وتتضمّن بطاقة الإلزام خاصّة المعلومات التّالية :

• هويّة المدين وعنوانه كاملا ورقم بطاقة تعريفه الوطنيّة أو رقم معرّفه الجبائي،

• مبلغ الدين دون اعتبار خطايا التّأخير في الاستخلاص،

• الأقساط المدفوعة عند الاقتضاء والباقي للاستخلاص،

• مراجع التّثقيل والسّنوات التي يعود إليها الدّين،

• اسم وختم القابض القائم بالتّتبّع وإمضاؤه.

في صورة عدم تقدّم المدين لخلاص الدّين المستوجب في الآجال المحدّدة بالقانون يمكن اللّجوء إلى القيام بأعمال تنفيذ على أملاك المدين في شكل عقل تحفظيّة أو تنفيذيّة قد تؤدي إلى بيع بعض أملاك المدين.

 
 
 

 

عائشة قرافي
حرم الحصني

مستشارة اختصاص حوكمة ومكافحة الفساد

 

 

 

Laisser un commentaire

Votre adresse de messagerie ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *